الاثنين، 26 أكتوبر 2015

الاستعارة التصريحية و الاستعارة المكنية

 الاستعارة التصريحية والاستعارة المكنية
قال تعالى :"الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور." سورة إبراهيم:
 قال الحجَّاج مخاطبا خصومه:"إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها .

ايضاح:
في الآية الكريمة مجاز لغوي ورد مرتين فكلمة (الظلمات) لاتدل على معناها الحقيقي الذي هو زوال ضوء الشمس تماما وإنما دلت على معنى (مجازي) آخر يفهم من سياق الكلام وهو الظلال والكفر.
وقل في مثل ذلك في كلمة (النور) فهي لا تدل على معناها الحقيقي بل هي تدل على معنى غير الذي وضعت له في الأصل وهو الهدى والإيمان.
المجاز اللغوي الوارد في الآية علاقته المشابهة حيث شبه الله الكفر والظلال بالظلمات والإيمان والهدى بالنور وهذه هي الاستعارة.
هذه الاستعارة تصريحية لأن المشبه به (الظلمات) و(النور) قد صُرِّح به (أي ذكر)  في الآية أما المشبه فقد حذف.
أما كلام الحجاج فقد ورد فيه مجاز لغوي آخر حيث شبه الرؤوس بالثمار وحذف المشبه به (الثمار) ورمز لها بقرينة (خاصية) تدل عليها وهي (أينعت وقطافها) وهذه أيضا استعارة.
هذه الاستعارة مكنية لأن الحجَّاج حذف المشبه به وكنى عنه بذكر إحدى خصائصه الدالة عليه.

تعريف الاستعارة:

الاستعارة من المجاز اللغوي علاقتها المشابهة دائما وهي تشبيه حذف أحد طرفيه (المشبه أو المشبه به).
  
أقسام الاستعارة:
للاستعارة قسمان:
1- الاستعارة التصريحية وهي التي حذف منها المشبه وصُرِّح (ذكر صراحة) فيها بالمشبه به.
2- الاستعارة المكنية وهي التي ذكر فيها المشبه وحذف منها المشبه به ورُمز له بإحدى لوازمه (خصائصه) للدلالة عليه.
تنبيهات:
1- الاستعارة التصريحية = مجاز لغوي+ مشبه به
2- الاستعارة المكنية = مجاز لغوي + مشبه
3- يمكن تحويل التشبيه إلى استعارة بحذف طرفيه:المشبّه أو المشبّ به وتغيير ما يلزم تغييره.
4- لنطبّق ذلك على هذا التشبيه:هذا الملاكم كالأسد في شجاعته.
أ- نحذف أولا المشبّه به:افترس الملاكم خصمه افتراسا.
كما نلاحظ هنا أنّي حذفت المشبه به (الأسد) وذكرت قرينة (افترس) مع المشبّه (الملاكم ) للدّلالة على المشبّه به المحذوف وبذلك حصلت على استعارة مكنيّة ممثلة بالمعادلة التالية: 
مجاز لغوي (افترس) + طرف تشبيه وهو المشبّه (الملاكم) = استعارة مكنية
ب- نحذف ثانيا المشبّه:أسقط الأسد خصمه على الحلبة.
كما نلاحظ هنا أنّي حذفت المشبه (الملاكم) وذكرت قرينة (الحلبة) مع المشبّه به (الأسد) للدّلالة على المشبّه  المحذوف وبذلك حصلت على استعارة تصريحيّة ممثلة بالمعادلة التالية: 
مجاز لغوي (الحلبة) + طرف تشبيه وهو المشبّه به (الأسد) = استعارة تصريحيّة 

أمثلة على الاستعارة:
1- قال المتنبي يَصِفُ دخول رسولِ الرّوم على سيف الدولة :وَأقْبَلَ يَمشِي في البِساطِ فَما درَى ... إلى البَحرِ يَسعَى أمْ إلى البَدْرِ يرْتَقي
2- قال تعالى على لسان زكريا عليه  السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} مريم:4
3- وقال ابن المعتز:جُمِعَ الحقُّ لنا في إمامٍ ... قتلَ البخلَ وأحيا السماحا
4- ذم أعرابي قوما فقال:"أولئك قوم يصومون عن المعروف ويُفطرون على الفحشاء."
5- وقال المتنبي وقد قابله مَمْدُوحُهُ وعانقَه :فلم أرَ قَبلي مَن مَشَى البحرُ نحوَه ... ولا رَجُلاً قامَتْ تُعانِقُهُ الأُسْدُ


الفرق بين الطباق والمقابلة

الفرق بين الطباق والمقابلة

الطباق طباق مفرد، وجمع ومقابلة بين الشيء وضده، بينما المقابلة طباق متعدد. وفي الطباق (المفرد) تكون كلمتان متضادتان ايجابيتان فيما يسمى طباق الإيجاب أو كلمتان متشابهتان إحداهما مسلوبة بحرف نفي فيما يسمى طباق السلب.
ضحك المشيب برأسه فبكى بيض الصفائح لا سود الصحائف
فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ



وأما المقابلة فهي طباق متعدد، وجمع ومقابلة بين المعاني وأضدادها، أي أنها استمرار للطباق. وفي المقابلة (الطباق المتعدد) تتعدد المعاني المتضادة، يعني أنه يأتي معنيان أو أكثر ثم يأتي بعدهما معان أخرى تقابلها على الترتيب.وتعظم في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم
فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)






الأربعاء، 21 أكتوبر 2015









تمثال المتنبي في شارع المتنبي ببغداد

أبو الطيب المتنبي




أبو الطيب المتنبي

اسمه الحقيقي هو أحمدُ بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لانتمائه لهم. عاش أفضل ايام حياته واكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان أحد أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعرحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك. ويقولون عنه بانه شاعر اناني ويظهر ذلك في اشعاره. قال الشعر صبياً. فنظم أول اشعاره وعمره 9 سنوات. اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية باكراً.
صاحب كبرياء وشجاع وطموح ومحب للمغامرات. وكان في شعره يعتز بعروبته، وتشاؤم وافتخار بنفسه، أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء بصياغة قوية محكمة. إنه شاعر مبدع عملاق غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وجد الطريق أمامه أثناء تنقله مهيئاً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام، إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم. لكن شعره لا يقوم على التكلف والصنعة، لتفجر أحاسيسه وامتلاكه ناصية اللغة والبيان، مما أضفى عليه لوناً من الجمال والعذوبة. ترك تراثاً عظيماً من الشعر القوي الواضح، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير، ويستدل منها كيف جرت الحكمة على لسانه، لاسيما في قصائده الأخيرة التي بدأ فيها وكأنه يودعه الدنيا عندما قال: أبلى الهوى بدني.
شهدت الفترة التي نشأ فيها أبو الطيب تفكك الدولة العباسية وتناثر الدويلات الإسلامية التي قامت على أنقاضها. فقد كانت فترة نضج حضاري وتصدع سياسي وتوتر وصراع عاشها العرب والمسلمون. فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتها والسلطان الفعلي في أيدي الوزراء وقادة الجيش ومعظمهم من غير العرب. ثم ظهرت الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام، وتعرضت الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية، ثم ظهرت الحركات الدموية في العراق كحركة القرامطة وهجماتهم على الكوفة. لقد كان لكل وزير ولكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة مجلس يجمع فيه الشعراء والعلماء يتخذ منهم وسيلة دعاية وتفاخر ووسيلة صلة بينه وبين الحكام والمجتمع، فمن انتظم في هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق وإياهم على إكبار هذا الأمير الذي يدير هذا المجلس وذاك الوزير الذي يشرف على ذاك. والشاعر الذي يختلف مع الوزير في بغداد مثلاً يرتحل إلى غيره فإذا كان شاعراً معروفاً استقبله المقصود الجديد، وأكبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته. في هذا العالم المضطرب كانت نشأة أبي الطيب، وعى بذكائه الفطري وطاقته المتفتحة حقيقة ما يجري حوله، فأخذ بأسباب الثقافة مستغلاً شغفه في القراءة والحفظ، فكان له شأن في مستقبل الأيام أثمر عن عبقرية في الشعر العربي. كان في هذه الفترة يبحث عن شيء يلح عليه في ذهنه، أعلن عنه في شعره تلميحاً وتصريحاً حتى أشفق عليه بعض اصدقائه وحذره من مغبة أمره، حذره أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل في دهوك فلم يستمع له وإنما أجابه ً: أبا عبد الإله معاذ أني. إلى أن انتهى به الأمر إلى السجن.

المتنبي وسيف الدولة الحمداني


ظل باحثاً عن أرضه وفارسه غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط رحاله في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 هـ، واتصل بسيف الدولة ابن حمدان، أمير وصاحب حلب، سنة 337 هـ وكانا في سن متقاربه، فوفد عليه المتنبي وعرض عليه أن يمدحه بشعره على ألا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا وأصبح المتنبي من شعراء بلاط سيف الدولة في حلب، وأجازه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة وقربه إليه فكان من أخلص خلصائه وكان بينهما مودة واحترام، وخاض معه المعارك ضد الروم، وتعد سيفياته أصفى شعره. غير أن المتنبي حافظ على عادته في أفراد الجزء الأكبر من قصيدته لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحه، فكان أن حدثت بينه وبين سيف الدولة فجوة وسعها كارهوه وكانوا كثراً في بلاط سيف الدولة.
ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع في حضرة سيف الدولة في حلب أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من الشعراء في حلب. وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة، إلى المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده، إلى أنه مطمئن إلى إمارة حلب العربية الذي يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتمل أيضاً هذا التمجيد لنفسه ووضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه. ولربما احتمل على مضض تصرفاته العفوية، إذ لم يكن يحس مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان.
وفي المواقف القليلة التي كان المتنبي مضطرا لمراعاة الجو المحيط به، فقد كان يتطرق إلى مدح آباء سيف الدولة في عدد من القصائد، ومنها السالفة الذكر، لكن ذلك لم يكن إعجابا بالأيام الخوالي وإنما وسيلة للوصول إلى ممدوحه، إذ لا يمكن فصل الفروع عن جذع الشجرة وأصولها كقوله:
من تغلب الغالبين الناس منصبهومن عدّي أعادي الجبن والبخل

خيبة الأمل وجرح الكبرياء

أحس بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف الدولة بأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير. وبدأت المسافة تتسع بين الشاعر والأمير، ولربما كان هذا الاتساع مصطنعاً إلا أنه اتخذ صورة في ذهن كل منهما. وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وأصابته خيبة الأمل لاعتداء ابن خالويه عليه بحضور سيف الدولة حيث رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة، فلم ينتصف له سيف الدولة، ولم يثأر له الأمير، وأحس بجرح لكرامته، لم يستطع أن يحتمل، فعزم على مغادرته، ولم يستطع أن يجرح كبرياءه بتراجعه، وإنما أراد أن يمضي بعزمه. فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق، وكان آخر ما أنشده إياه ميميته في سنة 345 هـ ومنها : (لا تطلبن كريماً بعد رؤيته). بعد تسع سنوات ونصف في بلاط سيف الدولة جفاه الأمير وزادت جفوته له بفضل كارهي المتنبي ولأسباب غير معروفة قال البعض أنها تتعلق بحب المتنبي المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي في قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها، وكان هذا مما لا يليق عند رثاء بنات الملوك. وأنكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بالمتنبي.
فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه حساده ومنافسوه من حاشية الأمير. فأوغروا قلب الأمير، فجعل الشاعر يحس بأن هوة بينه وبين صديقه يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا فلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم. فغادر حلب، وهو يكن لأميرها الحب، لذا كان قد عاتبه وبقي يذكره بالعتاب، ولم يقف منه موقف الساخط المعادي، وبقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبو الطيب إلى الكوفة وبعد ترحاله في بلاد عديده بقي سيف الدولة في خاطر ووجدان المتنبي.
مدح كافوراً الإخشيدي وأبا شجاع، وأقام في مصر ردحاً من الزمن يرقب الفرصة من كافور فيصعد المجد على كاهله، فماهو إلا أن قال:
أبا المسك ، هل في الكأس فضلٌ أنالهفإني أغني منذ حين وأشرب
وقال:
وهل نافعي أن ترفع الحجب بينناودون الذي أملت منك حجاب
وفي النفس حاجات وفيك فطانةسكوتي بيان عندها وجواب
حتى أوجس كافور منه خيفة، لتعاليه في شعره وطموحه إلى الملك، فزوى عنه وجهه، فهجاه وقصد بغداد، وكان خروجه من مصر في يوم عيد، وقال يومها قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور وحاشيته، والتي كان مطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيدبما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهمفليت دونك بيدا دونها بيد
وفي القصيدة هجوم شرس على كافور وأهل مصر بما وجد منهم من إهانة له وحط منزلته وطعنا في شخصيته ثم إنه بعد مغادرته لمصر قال قصيدةً يصف بها منازل طريقه وكيف أنه قام بقطع القفار والأودية المهجورة التي لم يسلكها أحد، وفي مطلعها يصف ناقته:
ألا كل ماشية الخيزلىفدى كل ماشية الهيذبى
وكل نجاة بجاويةخنوف وما بي حسن المشى
ضربت بها التيه ضرب القمارِإما لهذا وإما لذا
إذا فزعت قدمتها الجيادوبيض السيوف وسمر القنا
وفيها يصف منازل طريقه:
وجابت بُسيطة جوب الرَّداءبين النَّعَام وبين المها
إلى عُقدة الجوف حتى شَفَتبماء الجُرَاوِيّ بعض الصدا
ولاحَ لها صورٌ والصَّبَاحولاحَ الشَّغور لها والضَّحَا
وهي قصيدة يميل فيها المتنبي إلى حد ما إلى الغرابة في الألفاظ ولعله يرمي بها إلى مساواتها بطريقه. وذكر في قصائده بعض المدن والمواضع الواقعة ضمن الحدود الإدارية لدُومة الجندل، والتي منها:
حَتّامَ نحنُ نُساري النّجمَ في الظُّلَمِومَا سُرَاهُ على خُفٍّ وَلا قَدَمِ
وَلا يُحِسّ بأجْفانٍ يُحِسّ بهَافقْدَ الرّقادِ غَريبٌ باتَ لم يَنَمِ
تُسَوِّدُ الشّمسُ منّا بيضَ أوْجُهِنَاولا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذرِ وَاللِّمَمِ
وَكانَ حالهُمَا في الحُكْمِ وَاحِدَةًلوِ احتَكَمْنَا منَ الدّنْيا إلى حكَمِ
وَنَترُكُ المَاءَ لا يَنْفَكّ من سَفَرٍما سارَ في الغَيمِ منهُ سارَ في الأدَمِ
لا أُبْغِضُ العِيسَ لكِني وَقَيْتُ بهَاقلبي من الحزْنِ أوْ جسمي من السّقمِ
طَرَدتُ من مصرَ أيديهَا بأرْجُلِهَاحتى مَرَقْنَ بهَا من جَوْشَ وَالعَلَمِ
تَبرِي لَهُنّ نَعَامُ الدّوّ مُسْرَجَةًتعارِضُ الجُدُلَ المُرْخاةَ باللُّجُمِ
ولمّا وصل إلى بسيطة، رأى بعض غلمانه ثورًا فقال : هذه منارة الجامع ورأى آخر نعامة برية فقال: هذه نخلة، فضحك أبو الطيب وقال:
بُسيطة مهلاً سُقيت القطاراتركت عيون عبيدي حيارا
فظنوا النعام عليك النخيلوظنوا الصوار عليك المنارا
فأمسك صحبي بأكوارهموقد قصد الضحك فيهم وجارا
ومما قاله في مصر ولم ينشدها الأسود ولم يذكره فيها، وفيها يشكو معاناته من الزمن:
صحب الناس قبلنا ذا الزماناوعناهم من شأنه ما عنانـا
وتولو بغصة كلهم منهوإن سـر بعضـهم احيــانـا
رُبما تُحسِنُ الصّنيع لَيَالِيــهِ ولكِن تكدرُ الإحْسَانا
وكأنا لم يرض فينا بريب الـدهر حتى اعانه من اعانـا
كلما انبت الزمان قناةركب المرء في القناة سنانـا
ومراد النفوس اصغر من أننتـعـادى فيه وأن نتـفـانـى
غير أن الفتى يلاقي المنــــايـــاكالـــحات ولا يـلاقي الهوانا
ولو أن الحياة تبقى لحيلــعددنا أضــلـنا الشجــعـنــا
وإذا لم يكن من المــوت بدفمن العجز أن تكون جبانا
كل مالم يكن من الصعب في الأنـــــفس سهل فيها إذا هو كانا
لم يكن سيف الدولة وكافور هما من اللذان مدحهما المتنبي فقط، فقد قصد امراء الشام والعراق وفارس. وبعد عودته إلى الكوفة، زار بلاد فارس، فمر بأرجان، ومدح فيها ابن العميد، وكانت له معه مساجلات. ومدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي في شيراز وذالك بعد فراره من مصر إلى الكوفة ليلة عيد النحر سنة 370 هـ.

مقتله

كان المتنبي قد هجا ضبة بن يزيد الأسدي العيني بقصيدة شديدة مطلعها:
مَا أنصَفَ القَومُ ضبّهوَأمهُ الطرْطبّه
وإنّما قلتُ ما قُلــتُ رَحمَة لا مَحَبه
فلما كان المتنبي عائدًا إلى الكوفة، وكان في جماعة منهم ابنه محمد وغلامه مفلح، لقيه فاتك بن أبي جهل الأسدي، وهو خال ضبّة، وكان في جماعة أيضًا.فتقاتل الفريقان وقُتل المتنبي وابنه محمد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول غربيّ بغداد.
قصة قتله أنه لما ظفر به فاتك أراد الهرب فقال له غلامه : اتهرب وأنت القائل :
الخيل والليل والبيداء تعرفنيوالسيف والرمح والقرطاس والقلم
فرد عليه بقوله قتلتني قتلك الله.